سرطان الكبد: ما يجب على كل مريض معرفته
الكبد هو أحد أكبر أعضاء الجسم وأكثرها تعقيدًا، حيث يلعب دورًا حيويًا في العديد من العمليات الحيوية الأساسية. يقع الكبد في الجزء العلوي الأيمن من البطن تحت الحجاب الحاجز وفوق المعدة، ويزن حوالي 1.5 كيلوجرام في البالغين. يعد الكبد مركزًا للتحكم في التمثيل الغذائي، حيث يقوم بتصنيع البروتينات، وتخزين الفيتامينات والمعادن، وإنتاج الصفراء التي تساعد في هضم الدهون. بالإضافة إلى ذلك، يقوم الكبد بتصفية السموم من الدم، وتكسير الأدوية والمواد الكيميائية، وتحويل الجلوكوز إلى جليكوجين للتخزين. سوف نتحدِ فى هذا المقال عن أهم و أخطر الأمراض التى تصيب الكبد؛ سرطان الكبد.
أنواع سرطان الكبد
سرطان الكبد هو نمو غير طبيعي للخلايا الكبدية، ويمكن أن يكون أوليًا أو ثانويًا. في السرطان الأولي، يبدأ السرطان في الكبد نفسه، بينما في السرطان الثانوي أو النقائلي، ينتشر السرطان إلى الكبد من أجزاء أخرى من الجسم. الأنواع الأساسية لسرطان الكبد تشمل:
- سرطان الخلايا الكبدية (Hepatocellular carcinoma – HCC): يُعتبر هذا النوع الأكثر شيوعًا من سرطان الكبد الأولي، ويشكل حوالي 75-85% من حالات سرطان الكبد. ينشأ هذا النوع من الخلايا الكبدية، وهي الخلايا الرئيسية في الكبد التي تلعب دورًا هامًا في وظائفه المختلفة.
- سرطان الأقنية الصفراوية داخل الكبد (Intrahepatic cholangiocarcinoma): يشكل هذا النوع حوالي 10-15% من حالات سرطان الكبد. ينشأ من الخلايا المبطنة للقنوات الصفراوية داخل الكبد. هذه القنوات هي المسؤولة عن نقل الصفراء التي ينتجها الكبد إلى الأمعاء للمساعدة في هضم الدهون.
- الورم الأرومي الكبدي (Hepatoblastoma): يعتبر هذا النوع نادرًا جدًا ويصيب الأطفال عادة. ينشأ من الخلايا البدائية للكبد وهو ورم عدواني يتطلب علاجًا مكثفًا.
- الساركوما الوعائية (Angiosarcoma): هو نوع نادر جدًا من سرطان الكبد ينشأ من الأوعية الدموية داخل الكبد. يتميز بسرعة انتشاره ويكون من الصعب علاجه.
- السرطان النقيلي للكبد: يشيع أكثر من السرطان الذي يبدأ في خلايا الكبد أن يكون الكبد موقعًا لنقائل سرطان من أجزاء أخرى من الجسم. تشمل السرطانات التي تنتشر غالبًا إلى الكبد سرطان القولون، وسرطان الرئة، وسرطان الثدي. في هذه الحالات، يُسمى السرطان نسبةً إلى العضو الذي بدأ فيه (مثل سرطان القولون النقيلي)، ويعالج عادةً بناءً على نوع السرطان الأصلي.
أسباب سرطان الكبد
تعود الأسباب إلى مجموعة معقدة من العوامل الجينية والبيئية. تشمل الأسباب المعروفة ما يلي:
- التهاب الكبد المزمن: تُعد العدوى المزمنة بفيروس التهاب الكبد B (HBV) وفيروس التهاب الكبد C (HCV) من الأسباب الرئيسية لسرطان الكبد. تؤدي هذه العدوى إلى تلف الكبد على المدى الطويل، مما يزيد من خطر تطور سرطان الكبد.
- التليف الكبدي: التليف هو حالة يحدث فيها تندب في أنسجة الكبد نتيجة لتلف الكبد المستمر. يُعتبر التليف الكبدي نتيجة نهائية لعدة أمراض كبدية مزمنة مثل التهاب الكبد والإفراط في تناول الكحوليات. يزيد التليف من خطر الإصابة بسرطان الكبد بشكل كبير.
- العوامل الوراثية: بعض الأمراض الوراثية مثل داء ترسب الأصبغة الدموية وداء ويلسون تزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد. في هذه الحالات، تؤدي الاضطرابات الوراثية إلى تراكم مواد ضارة في الكبد، مما يسبب تلفًا مزمنًا.
- داء السكري والسمنة: يرتبط مرض السكري وزيادة الوزن بخطر مرتفع للإصابة بسرطان الكبد. تؤدي السمنة إلى تراكم الدهون في الكبد، مما يسبب التهابًا وتندبًا يعرف باسم الكبد الدهني غير الكحولي.
- التعرض للأفلاتوكسينات: الأفلاتوكسينات هي مواد سامة تنتجها أنواع معينة من العفن التي تنمو على المحاصيل الزراعية مثل الحبوب والمكسرات. يعتبر التعرض الطويل الأمد للأفلاتوكسينات من عوامل الخطر القوية للإصابة بسرطان الكبد.
- الإفراط في تناول الكحوليات: يعد الإفراط في تناول الكحوليات من الأسباب الرئيسية لتلف الكبد وتليف الكبد، مما يزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد.
عوامل الخطورة للإصابة بسرطان الكبد
إلى جانب الأسباب المذكورة أعلاه، هناك عدة عوامل خطر تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان الكبد، وتشمل:
- الجنس والعمر: سرطان الكبد أكثر شيوعًا بين الذكور مقارنة بالإناث، ويزداد خطر الإصابة به مع التقدم في العمر.
- العرق والإثنية: هناك اختلافات جينية قد تزيد من خطر الإصابة بسرطان الكبد في بعض الفئات السكانية.
- التدخين: يرتبط التدخين بزيادة خطر الإصابة بعدة أنواع من السرطانات، بما في ذلك سرطان الكبد.
أعراض و علامات سرطان الكبد
المراحل المبكرة، غالبًا ما تكون بدون أعراض، مما يجعله صعب التشخيص في الوقت المناسب. مع تقدم المرض، يمكن أن تظهر الأعراض التالية:
- فقدان الوزن غير المبرر: قد يكون فقدان الوزن السريع وغير المبرر من أولى علامات سرطان الكبد.
- فقدان الشهية والشعور بالامتلاء: يمكن أن يؤدي الورم في الكبد إلى شعور بالامتلاء أو الانتفاخ بعد تناول كميات قليلة من الطعام.
- ألم في الجزء العلوي من البطن: قد يحدث ألم غير محدد في الجزء العلوي من البطن، يمتد أحيانًا إلى الظهر والكتف.
- الغثيان والقيء: يمكن أن يتسبب سرطان الكبد في الشعور بالغثيان والقيء المستمر.
- الضعف والإرهاق: يعاني المرضى من ضعف عام وإرهاق شديد نتيجة للتغيرات في الأيض وفقدان الشهية.
- اليرقان: يتميز اليرقان باصفرار الجلد وبياض العينين نتيجة لتراكم البيليروبين في الدم بسبب ضعف وظيفة الكبد.
- انتفاخ البطن: قد يحدث تجمع للسوائل في البطن، يعرف باسم الاستسقاء، مما يسبب انتفاخًا ملحوظًا.
- براز أبيض طباشيري: يمكن أن يتسبب انسداد القنوات الصفراوية في براز أبيض طباشيري نتيجة لعدم وجود الصفراء.
تشخيص سرطان الكبد
يُعتمد على مجموعة متنوعة من الفحوصات والإجراءات للتشخيص، بما في ذلك:
- اختبارات الدم: يمكن أن تكشف اختبارات الدم عن مستويات غير طبيعية من إنزيمات الكبد أو علامة ورمية تعرف باسم ألفا فيتو بروتين (AFP)، والتي قد تشير إلى وجود السرطان فى الكبد.
- التصوير الطبي: تشمل التقنيات المستخدمة لتصوير الكبد وفحصه التصوير بالموجات فوق الصوتية، والتصوير المقطعي المحوسب (CT)، والتصوير بالرنين المغناطيسي (MRI). تساعد هذه الفحوصات في تحديد حجم وموقع الورم.
- الخزعة: تعتبر الخزعة إجراءً يأخذ فيه الأطباء عينة صغيرة من نسيج الكبد لفحصها تحت المجهر. تستخدم الخزعة لتأكيد التشخيص وتحديد نوع السرطان.
- فحص الوظائف الكبدية: تُجرى اختبارات لتقييم مدى كفاءة الكبد في أداء وظائفه المختلفة، مثل إنتاج البروتينات وإزالة السموم من الدم.
علاج سرطان الكبد
يعتمد العلاج على عدة عوامل، بما في ذلك حجم وموقع الورم، ومدى انتشار السرطان، والحالة الصحية العامة للمريض. تشمل الخيارات العلاجية:
- الجراحة: يمكن أن تكون الجراحة خيارًا للعلاج إذا كان الورم محصورًا في الكبد ولم ينتشر. تشمل الخيارات الجراحية استئصال جزء من الكبد (استئصال جزئي للكبد) أو إزالة الكبد بالكامل (زراعة الكبد).
- العلاج الإشعاعي: يستخدم العلاج الإشعاعي حزمًا عالية الطاقة لقتل الخلايا السرطانية. يمكن استخدامه كعلاج موضعي لتدمير الأورام في الكبد.
- العلاج الموجه: يعتمد العلاج الموجه على استهداف جزيئات محددة داخل الخلايا السرطانية، مما يمنع نمو السرطان وانتشاره. يعتبر العلاج الموجه خيارًا فعالًا لعلاج سرطان الكبد في مراحل معينة.
- العلاج المناعي: يستخدم العلاج المناعي الجهاز المناعي للمريض لمكافحة السرطان. تشمل العلاجات المناعية استخدام أدوية تعزز استجابة الجهاز المناعي ضد الخلايا السرطانية.
- العلاج التدخلي: تشمل العلاجات التدخلية إجراءات مثل الإغلاق الكيماوي للشرايين المغذية للورم أو الإدخال المباشر للأدوية المضادة للسرطان في الورم.
الوقاية من سرطان الكبد
تشمل التدابير الوقائية للحد من خطر الإصابة بسرطان الكبد:
- التطعيم ضد التهاب الكبد B: يُوصى بالتطعيم ضد التهاب الكبد B لجميع الأطفال والبالغين المعرضين للخطر. يساعد التطعيم في الوقاية من العدوى المزمنة بفيروس التهاب الكبد B، مما يقلل من خطر الإصابة بسرطانات الكبد.
- تجنب الإصابة بالتهاب الكبد C: لا يوجد حاليًا لقاح لالتهاب الكبد C، ولكن يمكن الوقاية من العدوى من خلال ممارسات مثل استخدام الإبر النظيفة وعدم مشاركة أدوات الحقن.
- الحد من تناول الكحوليات: يُنصح بتقليل استهلاك الكحوليات أو تجنبها تمامًا للحد من خطر الإصابة بتليف و سرطان الكبد.
- الحفاظ على وزن صحي: يمكن أن يساعد الحفاظ على وزن صحي من خلال نظام غذائي متوازن وممارسة النشاط البدني في الوقاية من السمنة وأمراض الكبد المرتبطة بها.
- التعامل الآمن مع المواد الكيميائية: يُنصح باتباع إرشادات السلامة عند التعامل مع المواد الكيميائية السامة لتجنب تلف الكبد.
الفحص الدوري
يُوصى بالفحص الدوري للأشخاص الذين يعانون من عوامل خطر عالية للإصابة بسرطان الكبد، مثل المصابين بعدوى التهاب الكبد المزمن أو التليف الكبدي. يشمل الفحص الدوري اختبارات الدم وتصوير البطن بالموجات فوق الصوتية كل ستة أشهر. يساعد الفحص الدوري في الكشف المبكر عن سرطان الكبد، مما يزيد من فرص العلاج الناجح.
الخاتمة
يعد سرطان الكبد من الأمراض الخطيرة التي تتطلب تشخيصًا مبكرًا وعلاجًا فعالًا لتحسين فرص الشفاء والبقاء على قيد الحياة. يلعب الوعي بعوامل الخطر والأعراض ودور الفحص الدوري دورًا حاسمًا في الوقاية من هذا المرض وعلاجه. من خلال تبني أسلوب حياة صحي واتباع الإرشادات الطبية، يمكن تقليل خطر الإصابة بسرطان الكبد والمساهمة في تعزيز الصحة العامة.